علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالسياسة عند الغرب سياسة علمانية، تفصل بين الدين وشئون الدولة، فلا تلتزم بدين، فالسياسيون في إدارة شئون أممهم لهم حرية التصرف وفق ما يرون فيه المصلحة والمنفعة، ومع تعدد الآراء والمصالح بعيدًا عن هداية السماء، تختلف الوسائل والغايات، وتتضارب المصالح والأهداف، وتتناقض المبادئ والنظم.
والسياسة عند الغرب تقوم على الميكيافلية؛ إذ الغاية تبرر الوسيلة، والغاية قد تكون نبيلة أو غير نبيلة، والوسيلة قد تكون قويمة أو غير قويمة، والسياسيون يضعون لأنفسهم من الغايات ما يحقق في ظنهم مصالحهم، ويختارون لها من الوسائل ما يرونه يحقق هذه المصالح، ولا غرابة أن يكون هذا في أقصى اليمين، ومنافسه في أقصى اليسار، وكلاهما يرى أن الحق لم يتعداه، ويسعى بقوته لإعزاز ما يتبناه.
وقد يتخذ في ذلك من الأساليب ما تمجه النفوس السوية، وترفضه الأخلاق السنية، ولكنه لا يبالي، وقد عرض نفسه لمغامرة إن كتب لها النجاح؛ ساد، وإن انكشفت ألاعيبه؛ خاب.
فالسياسية هناك هي لمن له المقدرة على خداع الجماهير، ودغدغة المشاعر، وإقناع الناس بالوعود، مع نفاق وانتهازية، وكذب وتحايل بكل السبل؛ للوصول إلى السلطة والزعامة والمناصب، ولو على حساب الخلق والمبادئ والقيم.
ولا يسلم من ذلك أكبر الدول شأنًا وأكثرها في زعمهم ديمقراطية؛ فالرئيس الأمريكي "نيكسون" يتجسس لصالح حزبه على خصومه السياسيين؛ فانكشفت حيلته فكانت فضيحة "ووتر جيت" التي أطاحت به مَن على مقعد الرئاسة بأمريكا قبل أن يستكمل فترة رئاسته.
وهذا رئيس وزراء بريطانيا يقدِّم رشوة انتخابية للشواذ؛ ليؤيدوه في الانتخابات كما جاء في جريدة "أخبار اليوم" في عدد 7/3/1992 ص6 بالنص: "أبدى جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني تأييده لحملة حزب المحافظين لإنصاف الشواذ جنسيًا في بريطانيا ومنحهم حقوقًا مساوية، وتعديل القوانين التي تتسم بالتحيز ضدهم، وذكرت مصادر حزب المحافظين أن الحزب قد ينظر في تغيير القوانين الحالية، وخاصة القوانين المتعلقة بسن الرشد بالنسبة للشواذ، ففي الوقت الذي تتيح فيه القوانين الحالية للفرد العادي من الجنسين أو حتى الشواذ من النساء ممارسة الجنس بالرضا والموافقة في سن 16، فإن نفس القوانين تحرم على الشواذ من الرجال ممارسة الجنس قبل سن 21. من هنا جاء موقف حزب المحافظين الرامي إلى تعديل هذه القوانين كرشوة انتخابية تضمن أصوات جموع الشواذ في بريطانيا قبل الانتخابات القادمة" انتهى.
أما السياسة في الإسلام: فهي تدبير لشئون الدولة، وإرشاد العباد فيها إلى ما فيه صلاحهم في العاجل والآجل، من خلال شرع الله -تبارك وتعالى-، فكل حكم أو نظام يتعلق بشئون الدولة ويوافق الشرع، ويحقق للأمة مصلحتها؛ فهو من السياسة الشرعية، وكل ما لا يحقق مصلحة الأمة أو يخالف الشريعة؛ فليس من السياسة الشرعية؛ ولهذا لم يقر العلماء من استبد في حكمه من حكام المسلمين عبر تاريخ الإسلام الطويل، ولم يعتبروا حكمه نموذجًا إسلاميًا تقره الشريعة.
يقول السخاوي -رحمه الله-: "من أعظم خطأ السلاطين والأمراء تسمية أفعالهم الخارجة عن الشرع: سياسة، فإن الشرع هو السياسة، لا عمل السلطان بهواه ورأيه".
ومما تتميز به الشريعة الإسلامية أن أحكامها مترابطة متكاملة، وتغطي بمجموعها كافة شئون الحياة، ولا يجوز إهمال أو ترك جانب منها من أجل جانب آخر؛ لذا تتداخل الأحكام فيما بينها.
فالنظام الاقتصادي في الإسلام يحرم الربا؛ فيلزم الحاكم تجنب التعاملات الربوية في معاملاته الدولية.
والنظام الأخلاقي يحرم الخيانة والغدر، فيلتزم الحاكم بذلك في معاهداته واتفاقياته مهما كانت الظروف.
والنظام الاجتماعي يمنع التخاصم والتدابر والتشاحن بين المسلمين، فينبغي الحرص على الأخوة الإيمانية ووحدة المجتمع المسلم ولو بالتسامح في الحقوق، وتقديم المفضول؛ ما لم يترتب عليه اقتراف لمحرم أو مخالفة للشرع.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com