هل إنطفأ النور ؟!!
بقلم : أحمد عطية
في سبعينيات القرن الماضي وفي الاسكندرية تحديدا شهدت مصر نشاط شباب التيار الإسلامي فيما عرف وقتها بالجماعة الإسلامية والتي انبثق منها فيما بعد الدعوة السلفية والأخوان المسلمون والجماعة الإسلامية الحالية
انتهجت الجماعة الإسلامية وتبنت خيار العنف في التغيير ومواجهة الحكومة والتغيير بقوة السلاح
وقتها كانت نظرة الذي يتبنى هذا الخيار لغيره سواء الأخوان الذين تبنوا الخيار السياسي للتغيير أو الدعوة السلفية التي تبنت الدعوة والتدرج مع الناس وتعليمهم دينهم في عمل جماعي منظم
كانت النظرة لهم أنهم متخاذلين منبطحين جبناء وربما عملاء للأمن وللنظام الحاكم
تدور الأيام وتتغير الظروف وتتبنى الجماعة الإسلامية بعض أعمال العنف من استهداف لقوات الأمن وللسياح ثم تبنت عملية قتل السادات وعدة محاولات بعدها لاغتيال مبارك
ثم دارت الأيام دورة أخرى وظهرت مراجعات الجماعة الإسلامية ونبذها للعنف واعترافها بعدم جدواه في التغيير واتجاهها لأساليب أخرى أهدأ كالدعوة والمشاركة السياسية حسب المتاح منها
وهي نفس الطريقة التي كانت تتهم منتهجوها بالتخاذل والجبن والعمالة من قبل
يتغير مسار الدعوة السلفية كذلك بعد الثورة فتشارك في الممارسة السياسية بشكل لم تكن تتبناه من قبل بل ربما كانت تنظر لخلافه وتخالف من يشارك في ظل الظروف السائدة وقتها من تزوير وتضييق لم تعد موجودة أو متوقعة بنفس الشكل بعد الثورة
فأرادت الدعوة أن يكون لها دورها في المشاركة السياسية بما يحفظ مكتسباتها الدعوية ويحافظ عليها فيما بعد من التضييق والاضطهاد وبما يرجى من ورائه السعي تدريجيا نحو تطبيق الشريعة أو على أقل تقدير عدم السماح بالعودة للوراء في هذا الجانب وتقليل الشر قدر المستطاع في الدستور والقوانين الحاكمة للبلاد
فأسست الدعوة السلفية حزب النور
جابت الدعوة المحافظات واستنفرت أبناءها في كل مكان وشرعا في إعادة هيكلتها الإدارية بعد أن تفككت في اول التسعينيات بعد ضربة أمنية اعتقل فيها عدد من مشايخ الدعوة ولفقت لهم قضية
وكانت الدعوة في المؤتمرات الحاشدة وقتها للحفاظ على هوية مصر الإسلامية وعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور والتي كانت تنص على كون مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع وذلك بعد أن تعالت أصوات تنادي بمدنية الدولة وبجعل الشريعة الإسلامية مصدرا من المصادر باعتبار أن المصريين ليس كلهم مسلمين
ثم كان الاستفتاء وحشدت فيه الدعوة وحزب النور للموافقة على التعديلات الدستورية في فترة شهدت استقطابا واضحا بين التيارات الإسلامية وغيرها
توالت الأحداث بعد الاستفتاء ثم الإعلان الدستوري وبعدهما انتخابات مجلسي الشعب والشورى وحصل حزب النور فيهما على نسبة كبيرة لم تكن متوقعة بالنسبة لحزب ناشيء وتيار يبدأ الممارسة السياسية الصريحة لأول مرة قبل الانتخابات بشهور
وبغض النظر عن سبب ودلالات النتيجة
استمر حزب النور واضحا في موقفه من الشريعة أثناء وجود نوابه بمجلس الشعب وتعرض لأزمات خلال تلك الفترة بسبب ضعف الأداء بصفة عامة وبعض المشاكل المتعلقة بأعضاء بعينهم بصفة خاصة
ثم انبثقت من مجلس الشعب والشورى لجنة تأسيسية لكتابة الدستور تم حلها وأعقبت بلجنة أخرى تغير شكلها وتكوينها ونسب التمثيل بها عن الأولى وظل حزب النور فيما يخص الشريعة ثابتا على موقفه مع رفع سقف المطالب فيما يخص المادة الثانية من عدم المساس بها إلى إضافة كلمة أحكام أو على الأقل حذف كلمة مبادئ
وذلك بعد أن وكل تفسير كلمة مبادئ الشريعة للمحكمة الدستورية التي فسرتها بقطعي الثبوت قطعي الدلالة ففرغت المادة من معناها وحصرت الشريعة في نطاق ضيق للغاية
وسعى الحزب سعيا حثيثا لإقناع الكافة بوجهة نظره فيما يخص المادة الثانية وخاطب الأزهر بتحمل تلك المسئولية والمشاركة في الدعوة لهذا التعديل حفظا للدين وإعلاءا للشريعة التي يفترض بالأزهر رعايتها وكذلك خاطب جماعة الأخوان كونهم أكبر فصائل التيار الإسلامي من حيث نسبة التمثيل وقوة التنظيم فحدث اتفاق على قدر معين ثم لما جد الجد تخلى الأزهر وتخلى الأخوان عن حزب النور في مطالبته وبقي وحيدا بينما توافق الباقون على أن يبقى الوضع على ما هو عليه حتى أن شيخ الأزهر رفض حتى أن يوكل تفسير مبادئ الشريعة للأزهر
في خلال تلك الفترة من بداية الثورة وحتى يومنا هذا كان أداء حزب النور يتسم بالصبغة الإصلاحية لا الثورية مع حرصه على الوضوح فيما يخص الثوابت الشرعية ولو أثار ذلك حفيظة بعض التيارات
لكن ظل الحزب مشهودا له من القاصي والداني بالوضوح والصراحة
مع تحفظ الكثيرين على كثير من المواقف التي رجع بعضها لسلوك الحزب الطريق الإصلاحي في مواطن كان يرى فيها غيره أن الخيار الثوري هو الحل ويبقى أن هذا خلاف في الأسلوب والاختيارات يفترض أن يكون مقبولا
على كل حال ظهر في تلك الفترة أيضا الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وتبنى خطابا شرعيا وثوريا في الوقت ذاته فاستقطب قطاعا كبيرا من الشباب السلفي والثوي ومن قاعدة حزب النور نفسها والأفراد العاملين المتحمسين للحزب ولفكرته وتوجهه
ثم كان دعم الحزب للشيخ حازم مطلبا من شباب الحزب لقياداته وكان الشباب يسيرون خلف مشايخ للدعوة أعلنوا تأييد الشيخ حازم وما كان من رد مجلس ادارة الدعوة والهيئة العليا لحزب النور الا أنهم قرروا اعلان دعمهم للمرشح الاسلامي الذي تختاره شورى الدعوة السلفية بعد اعلان أسماء المرشحين رسميا لعله يظهر من هو أفضل منه وهو ما اعتبره الشباب خذلانا لمناصر الشريعة مما أثر على شعبية الحزب وأرضيته
حاول الحزب والدعوة معالجة الأزمة وتبيين أسباب ومبررات قرار تأخير دعم الشيخ حازم فتقبلتها نسبة ولم تقبلها نسبة أخرى
وتعاقبت الأحداث ثم استبعد الشيخ حازم
يذكر هنا أن اتهامات السبعينيات نفسها ترددت من جديد بسبب اختيارات ومواقف الحزب والدعوة ووصف المشايخ مرة أخرى بالجبن والانبطاح إلى آخره
للاختصار سنتجاوز التفاصيل ونكتفي بأن ما سبق وغيره كانت أزمات تعرض لها حزب النور وأحيانا كانت تلك الأزمات عاصفة وشديدة فعلا لكن هنا ينبغي أن نذكر شيئا
الحزب قائم في أساسه على كيان موجود سلفا وهو الدعوة السلفية ويمكننا اعتبار الدعوة السلفية وأبنائها المنتمون هم رأس مال الحزب
في خلال تلك الفترة التي شارك فيها الحزب تم احتواء واستقطاب عدد كبير جدا من السلفيين الغير منتمين تنظيميا للدعوة وربما غير المؤيدين لها من قبل بل وقطاع لا ينتمي للتيار السلفي أصلا وهذا ما يمكن أن نعتبره مكسب أو ربح مرحلي يضاف إلى رأس المال
خسارة هذا الربح لأي سبب تعيدك إلى رأس مالك الأساسي وهي خسارة ولا شك ولكنها لا تعني بالضرورة النهاية مادمت محافظا على الأصل وعلى رأس المال
الظروف والأوضاع تتغير وتتبدل وبحسبها يمكنك نحقيق مكاسب أو أن تمنى بخسائر مرحلية لكن إذا لم تمتد الخسائر إلى رأس المال فلا يمكن اعتبارها خسارة حقيقية وإن مثلت انحسارا وتراجعا للخلف إذا حدثت بعد تحقيق مكاسب
لكن يبقى أنه إذا حافظت على رأس مالك وعلى قدر ولو بسيط من المكاسب ستبقى في جانب الربح
يحلو للبعض أن يردد رغم ذلك بعد كل أزمة أو مجموعة أزمات أن حزب النور قد انتهى ولن تقوم له قائمة وأن نوره قد انطفأ واندثر
ولا شك أن الحزب تأثر سلبا وربما لا يتوقع له تحقيق نفس النتائج التي حصل عليها والنسبة التي حققها في الانتخابات الماضية إذا أقيمت انتخابات أخرى في المستقبل القريب
لكن هنا يجب الالتفات إلى أن النسبة التي يحصل عليها أي حزب تتغير صعودا وهبوطا من حين لآخر لظروف مختلفة وانحسار نسبة تمثيل الحزب يعني تراجعا ولكنه لا يعني النهاية
ويجب الالتفات أيضا إلى أن هذا الحزب بالذات أساسه دعوة وهدفه رسالة وأن الحزب في حد ذاته يعتبر وسيلة من الوسائل ولا يعتبر غاية ولا يعتبر منشئوه أن نهايته هي نهايتهم ونهاية دعوتهم ( هذا إن كان قد انتهى أصلا )
تعرضت الدعوة السلفية المؤسسة لحزب النور لأزمات ربما تكون أشد من الأزمات الراهنة ولم ينطفئ نورها
اتهمت واتهم أعضاؤها بالجبن والانبطاح والعمالة من قبل الجماعات الإسلامية التي كانت تتبنى العنف ثم عادت عنه ولم ينطفئ النور
ضيق على الدعوة وعلى أبنائها من أجهزة الدولة ولم ينطفئ النور
حددت إقامة الشيوخ ومنعوا من الانتقال بين المحافظات ولم ينطفئ النور
اعتقل الشيوخ وأغلقت مساجدهم أو انتزعها منهم الأمن ليسلمها لغيرهم ولم ينطفئ النور
لفقت لهم القضايا وأودعوا السجون وتم تفكيك الهيكل الإداري للدعوة من قبل ولم ينطفئ النور
استخدم الأمن بعض الدعاة لضرب الدعوة ومكنهم من بعض المساجد لمحاربة المنهج ولم ينطفئ النور
حارب الإعلام الدعوة ورماها بالتطرف والتخلف والرجعية ولم ينطفئ النور
فجرت الأجهزة الأمنية كنيسة القديسين قبيل الثورة ولفقتها للإسلاميين ثم اعتقلت العشرات بل المئات من أبناء الدعوة السلفية بالاسكندرية خصوصا ولم ينطفئ النور
ثم أعلن مبارك أن التيارات السلفية تهدد مصر وتعيدها للوراء وأنه سيضرب عليها بيد من حديد وأيضا لم ينطفئ النور
أطلت عليكم الحديث لكني أردت أن تصل رسالة مفادها أن هذه الأزمات وأشد منها مرت من قبل ووصل الحال لدرجة اعتقال عدد كبير وإرهاب وتخويف البعض الآخر وكان غلق المساجد وشيكا في بعض الأحيان ومع ذلك لم تمت الدعوة ولم ينته أمرها ولم ينطفئ نورها
ذلك أن أهلها هم أهل منهج يعملون لوجه الله ويحتسبون في سبيل ذلك تحمل الأذى
لهم غاية واحدة هي عبادة الله وتعبيد الناس له وأن يكون فعل ذلك على هدي النبي ومنهج السلف الصالح ولا يعظمون أي وسيلة أو يقدمونها على الغاية
يعلمون أنهم مخاطبون بالسعي والبذل وأن النتيجة بيد الله
يسعون لإقامة ما مكنهم الله فيه من الدين ولا يشترطون على الله التمكين في وقت معين أو بصورة وطريقة معينة ومن أجل ذلك يبذلون وسعهم ويكلون أمر النتائج إلى الله
ولذلك أحب أن أطمئن كل حريص على النور أنه لن ينطفئ بإذن الله
وأحب كذلك أن أبشر كل من يغيظه ويتعبه النور أن النور لن ينطفئ بإذن الله