زيارة الدكتور "مرسي" لإيران وخطوط حمراء
كتبه / د. ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتأتي زيارة السيد رئيس الجمهورية "محمد مرسي" لإيران وحضور مؤتمر عدم الانحياز في وقت حساس، ووسط موازنات صعبة تثير لدى الكثيرين أنواعًا من التخوفات حول مستقبل المنطقة كلها؛ خاصة العلاقات بين مصر وإيران بعد الثورة، ونحن نؤكد أنه لا يمكن لدولة بحجم مصر ومكانتها ألا يكون لها علاقات متوازنة مع كل دول العالم: الإسلامية منها وغير الإسلامية، والسنية وغير السنية، التي نتفق معها في كثير من المصالح ونختلف معها في عقيدتنا وتصوراتنا، وأهدافنا، وقيمنا ومبادئنا.
ولا بد أن نفرِّق دائمًا بين المعاملات التي أجازها الشرع مع الجميع، والموالاة التي أوجبها الله للمؤمنين وحرمها للكافرين، وقيدها للمبتدعين.
وفي ضوء هذه القواعد نحتاج إلى توضيح جملة من النقاط:
1- إيران دولة ينص دستورها على المذهب الشيعي الاثنا عشري، وهي ساعية بلا خفاء ولا خلاف إلى نشر المذهب البدعي في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بل العالم كله، وهي شديدة التعصب لهذا المذهب، وحقيقة موقفه من أهل السنة نظريًّا وعمليًّا وتاريخيًّا في غاية السوء، وهي ترصد الملايين من أجل تصدير هذا المذهب، وإحداث القلاقل في الدول السُّنية المجاورة.
2- إن للشيعة في مصر تاريخًا وتراثًا يتمثل في الدولة الباطنية المعروفة تاريخيًّا بالدولة الفاطمية التي كانت تعلن المذهب الشيعي الاثنا عشري طيلة نحو ثلاثة قرون، وتفرضه بالقوة على كل الدول التي احتلتها، حتى أنهى هذا الاحتلال "صلاح الدين الأيوبي" -رحمه الله- وأعاد مصر إلى الدائرة السُّنية، وألغى الخلافة الفاطمية المزورة!
وعبر التاريخ لا تزال أحلام العودة للسيطرة على مصر تراود الرافضة، ومحاولة الغزو الفكري تسبق دائمًا الغزو العسكري، كالذي حدث أول مرة إبان الحكم الباطني.
ولا بد ألا نغفل أن كثيرًا من الطرق الصوفية قد تأثر بالفكر الشيعي، بل وبعضها تبناه صراحة! وإهمال ذلك خطر عظيم داهم، ولا بد أن تظل محاولة الغزو الشيعي الفكري "خطًا أحمر" في علاقتنا بإيران.
3- إن شعارات الوحدة ونسيان الخلافات المذهبية، ووحدة الكتاب والرسول والقبلة... لا يمكن أن تجعلنا نغفل أن مذهب الرافضة هو شر مذاهب أهل البدع المنتسبة، وفيه من العقائد الكفرية ما لا يمكن التغاضي عنه -ولو لم نكفر أفراد هذا المذهب إلا بعد إقامة الحجة-. ولا بد أن نعلم أنه لا مجال للتقارب إلا بالرجوع عن أصول هذا المنهج المنحرف، وإنما الممكن علاقات ومصالح متوازنة منضبطة.
4- إن خطر استعمال المصالح الاقتصادية المشتركة في تهجير لعائلات وأسر شيعية لمصر، وبالعكس أيضًا تسفير عائلات مصرية لإيران تحت غطاء التدريب والدراسة والتسويق، وغير ذلك... يسمح بنشر الفكر الرافضي بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولا بد أن يظل هذا الأمر تحت المجهر، وأن يُحذر منه غاية الحذر.
5- إن محاولة هيمنة النظام الإيراني على دول الخليج العربي، والمحاولات المستمرة لإثارة القلاقل والاضطرابات في هذه الدول من جانب الأقليات الشيعية "خط أحمر" لا يمكن أن تستقيم علاقات متوازنة مع إيران إذا تم خطيه، بل لا بد من توقف كل هذه المحاولات.
6- إن دعم النظام الإيراني للنظام السوري الطائفي العلوي الذي يقود حرب إبادة ضد شعبه المسلم السُّني، ودعم سيطرة الطائفة العلوية على مقدرات الشعب السوري، ومن خلال "حزب الله" الشيعي اللبناني... هو جريمة شنعاء لا بد أن تتوقف فورًا قبل البحث في أية علاقات مصالح بين مصر وإيران.
7- إن الاضطهاد المنظم والمستمر لأهل السنة في العراق وإيران هي إحدى النقاط التي لا يمكن تجاوزها أبدًا في علاقاتنا بهم؛ لأن أهلنا في العراق وإيران تربطنا بهم صلات المحبة والموالاة، والشفقة والنصح، ولا يجوز إهدارهم من أجل مصالح اقتصادية؛ فإذا تم مراعاة هذه "الخطوط الحمراء" أمكن البحث في علاقة مصالح ومنافع مشتركة ومتوازنة مع النظام الإيراني؛ وإلا كان الواجب هو مجرد المشاركة في مؤتمر عدم الانحياز دون الدخول في مباحثات استئناف علاقات مصر بإيران.
ونذكِّر الدكتور "مرسي" بكلماته المنيرة الجميلة في لقائه بمجلس إدارة الدعوة السلفية، ثم بمجلس الشورى العام للدعوة السلفية أثناء حملته الانتخابية حول هذا الموضوع، وإنها كلمات محفورة في ذاكرتنا... و(الدِّينُ النَّصِيحَةُ) (رواه مسلم)، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.