سعيد عبد العظيم
الديمقراطية العلمانية اللادينية ومبدأ فصل الدين عن الدولة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،
فالفارق كبير بين الإسلام والديمقراطية أو العلمانية، يظهر ذلك في المنشأ والطريق والغاية (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الملك:22)، والبصيرة تقتضي منا أن نستحصب هذه الموازين والضوابط التي تكلمنها عنها في حكمنا على الديمقراطية وما تنطوي عليه من مبادئ.
وللإسلام حكمه في كل شيء، وهو يعلو ولا يُعلى عليه، بما فيه من سمات الربانية والعموم والشمول وغيرها، ومن لدن آدم حتى قيام الساعة لا يمكن أن تسعد البشرية بدونه، وبحسب انحرافها عن منهج الإسلام بحسب الضنك والشقاء الذي تعانيه، ولو جاز لنا أن نلتمس عذراً للغرب أو الشق في تباعده عن دين الله ومناداته بهذه المناهج والفلسفات، فإننا لا نجد عذراً لهذه الأمة في الانسلاخ عن دينها ومتابعتها للكفرة والملاحدة في فلصل الدين عن الدولة، وإسلامها يناديها من يوم بدر وأحد (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144)
ومعلوم للقاصي والداني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام دولة بالمدينة واتسعت رقعتها في عهده وعهد الخلفاء من بعده، وكان يحكم بالإسلام لا بشيء سواه في نواحي الحياة المختلفة.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ) [رواه أحمد والطبراني والبزار، وصححه الألباني]
وإذا كانت معني الخيرية قد قلَّت في الأمة جيلاً بعد جيل، إلا أن حكام المسلمين كانوا يحرصون على الحكم بكتاب الله وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن وجدت أخطاء في التطبيق وظلم وجهل في بعض الأحيان فالعيب فينا وليس في شرع الله -عز وجل-، وعلى العباد جميعاً أن يستقيموا على أمر ربهم إن أرادوا سعادة وفلاحاً في الدنيا والآخرة، وقد استخدم أعداء لإسلام عيوب المسلمين وأخطاءهم في التشهير بالإسلام ذاته، والتنفير منه حتى يتيسير هلم إقصاءه عن الدنيا وحكمها، وكأن علاج المريض هو البتر والإهلاك، ولا سيبل لإصلاح العوج والخلل.
صنعوا ذلك مع الخلافة العثمانية والعباسية والأموية، بل وامتدت أيديه إلى تزييف وتشويه وتدليس صور صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الكرام الذين نقلوا لنا الإسلام، فدرسوا لنا قصة الخلاف بين عليّ ومعاوية، وكذبوا على صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين صوروهم على أنهم طالبوا ملك ورئاسة يتنازعون على ذلك، ويحتال بعضهم على البعض الآخر، وانحصر تاريخ الأمة بعد ذلك في قصة هارون الرشيد والخلافة العباسية -خلافة الفسق والمجون كما ذكروا-، والخلافة العثمانية التي هي خلافة الجهل والفقر والمرض!!
واصبح لزاماً على أبناء الأمة المسلمة أن يتطلعوا لتاريخ الشرق والغرب المجيد، وإلى عظمة الرجل الأبيض وحضارته، ولكي يتم لهم التقدم والتطور فعليهم أن يقلدوا الغرب، ولا سبيل لهم إلا بفصل الدين عن الدولة، فيقبع الإسلام داخل المسجد بمن يسمون رجال الدين، وتحكم الدولة بعد ذلك بمن يسمون رجال الدولة «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، «أو الدين لله والوطن للجميع»، ثم إذا طالب الناس بالعودة والرجوع لدين الله قالوا لهم: هل تريدون منا أن نعود لعهد هارون الرشيد أو عهود الديكتاتورية والرجعية والتخلف؟! وأصبحت الديمقراطية هي الحل البديل، والعلمانية اللادينية هي سبيل الإصلاح عند قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.