كتبه / حسام عبد العزيز
لو حدثت رجلا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لك لن آخذ بهذا الحديث فإنه لن يجد أحدا يستمع له. أما لو قال لك إن المعنى الذي فهمته من الحديث ليس صحيحا فستتوقف كثيرا قبل أن تشك في سلامة نواياه.
هذا ما يفعله خالد البري. سلسلة من المقالات جرى إعدادها على عين منكر الحجاب إبراهيم عيسى لكن الأول أذكى من أستاذه. يلمز أبو هريرة بالعاطل والجبان والكذاب، ويتفادى في الوقت نفسه أي هجوم محتمل بفقرات أخرى يعلن فيها أنه لا يشكك في عدالة الصحابة لكنه يشعر بالتناقض ويدعو إلى تحقيق السنة من جديد على ضوء أطروحاته.
يحاول البري إقناعك بأنه ليس راضيا عن نقول المحدثين فإذا تأملت كلامه لم تجده يرجح رأيا دون رأي بل يضرب الأقوال ببعضها ليخلص إلى نتيجة خبيثة مفادها: فلنحكم عقولنا ولننحي السنة برمتها جانبا.
البري يضعك بين شقي الرحى فإذا رددت على أدلته بأحاديث نبوية قال لك ولكني وجدت حديثا عن فلان يعني شيئا آخر.. ألم تر؟ قلت لك إن السنة تحتاج إلى تحقيق وتنقيح.
الطامة في هذا الصحفي أنه يفترض أن عشرات الأحاديث المكذوبة وربما المئات لم يلحظ المحدثون عوارها على مدار أكثر من عشرة قرون وهو ما يعني أن الأمة تعبدت بالباطل حتى أتى العلامة خالد البري واكتشف ما بها من داء. إنه يؤمن بأن الراوي لو توهم في لفظة فإنه قد يكون توهم في عشرات الألفاظ دون أن ينتبه لها محدثو القرون السالفة. بعبارة أخرى يقدم البري أطروحاته بمعزل عن تعهد الله بحفظ هذا الدين فهو يؤمن بأن الله قد أسلم الحديث النبوي لعبث البشر حتى جاء العلامة الفهامة خالد البري لينصر سنة النبي ويقول لمالك والبخاري ومسلم والذهبي كنتم تعبدون الله على ضلال. وبعبارة أدق يؤمن البري بأن حديثا صحيحا قد نكتشف أنه مكذوب عام 2012!!!
الغريب أن الرجل الذي يحدثنا في الضبط والدقة ويطالبنا باستبدال جوجل بالمحدثين يقول: إن أبا هريرة أسلم سنة 7 هـ وإن رقية بنت النبي توفيت سنة 3 هـ أي قبل إسلام أبي هريرة بـ 17 عاما. وهكذا صار حاصل طرح ثلاثة من سبعة هو رقم 17؟!!!
وبالمنطق البري، يكفي هذا الخطأ الفاضح إلى أن أسقط عدالة هذا الصحفي بنفس الطريقة التي يحاول إسقاط عدالة المحدثين بها. ألا يكفي هذا الخطأ إلى أن أشكك فيه بنفس الطريقة فهذا البري أخطأ في عملية حسابية بسيطة فكيف يقحم نفسه في علم فنيت فيه الأعمار؟!!!
الرجل (وأقصد باللفظة الذكورة) اختار أكثر الرواة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كي يرسل إلى السذج من قارئيه رسالة مفادها أن أغلب ما تسمعون عن رسول الله ليس من كلامه.
يطالب البري بعرض المتون على العقل، بل أن البري في إحدى مقالات يدعو لتحكيم العقل في أحاديث الغيبيات مستشهدا بخبر طلوع الشمس بين قرني شيطان ويقول إما نجد لهذه الأحاديث صيغة عصرية أو نرفضها كلية!!
ولتعرفنه في لحن القول.. فالبري عندما حاول أن يورد مثالا للنقول غير المعقولة اختار خبر طلوع الشمس بين قرني شيطان، وهو لا يعلم أن هذا الخبر مروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص في مسند أحمد وصحيح مسلم، وعن عمرو بن عبسة السلمي في سنن أبي داود و النسائي، وعن العلاء بن عبدالرحمن في سنن أبي داود، وعن عبدالله بن عمر في البخاري وهو تواتر يستحيل معه الخطأ. وكأن البري يقول حتى لو رواه آلاف الصحابة من ملايين الطرق لا أصدقه لأنه ليس معقولا!!
المفاجأة أن الحديث علق على أحد طرقه ابن حجر ووصفه بالحسن وهو ما لم يذكره البري، لكنك ستكتشف أن هذا البري يكتب مقالا كاملا بعنوان "حتى ابن حجر يلقم المتحجرين حجرا" ليحاول أن يثبت أن ابن حجر يؤيد أطروحاته الحمقاء.
وهنا لا بد أن ننتبه إلى أن البري يغض الطرف عما يدينه في كلام أحد المحدثين لكنه قد يستدل به في موضع آخر، وهو جزء من خطة التشويش التي يحاول هذا الغلام أن يباغتك بها.
خذ مثالا. يحاول البري الطعن في نقل المحدثين فيستدل بقول النووى إنهم اختلفوا فى اسم أبي هريرة واسم أبيه على ثلاثين قولا، ثم يستدل هذا البري بحديث رواه الحاكم وصححه ويقول انظروا هذا حديث صحيح الإسناد. لماذا لم يكن هذا البري أمينا فيقول إن النووي ـ الذي استدل به ـ يقول في الحاكم: متساهل كما سبق بيانه مرارا. والسؤال بطريقة أخرى: لماذا يكون النووي حاضرا حين الطعن غائبا حين الذب عن الشبهات!! (لزيادة الفائدة يقول الذهبي في الحاكم: يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة ويكثر من ذلك. ويقول الزيلعي في نصب الراية عن الحاكم: الحاكم عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة).
مقالات البري لم تسلم من السقطات فهو يطعن في مرويات أبي هريرة مع قلة معاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم ويغفل أن زيد بن ثابت (وليس أبو هريرة) روى حديثا عن النبي في فضل علم وحفظ أبي هريرة. وبالمناسبة الحديث رواه ابن حجر الذي أراه الآن يلقم خالد البري حجرا.
الحديث يقول إن رجلا جاء إلى زيد بن ثابت فسأله ، فقال له زيد : عليك بأبي هريرة ، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جلس إلينا ، فقال : عودوا للذي كنتم فيه ، قال زيد : فدعوت أنا وصاحبي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤمن على دعائنا ، ودعا أبو هريرة فقال : إني أسألك ما سأل صاحباك وأسألك علما لا ينسى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : آمين ، فقلنا : يا رسول الله ونحن نسألك علما لا ينسى فقال : سبقكم بها الغلام الدوسي.
بل يكذب البري فيقول إن النبى نهى عن تدوين أحاديثه بل ويضيف أن ما لا يفهمه المسلمون المعاصرون أن هذا نهى واضح. أرأيتم جرأة على الكذب كهذه؟
وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص (وليس أبو هريرة) كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا : أتكتب كل شيء تسمعه ورسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فأومأ بأصبعه إلى فيه ، فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ، ما يخرج منه إلا حق.
قد يسأل سائل: ولماذا تلك الحملة المسعورة على أبي هريرة والسنة من صبي إبراهيم عيسى في هذه الأيام؟ يجيب عن هذا السؤال نفسه خالد البري بقوله: لأن هذه الكتب (يقصد كتب المحدثين) صارت تحكمنا. ليس فقط فى مؤسسة الرئاسة، ولا فى الحكومة، ولا فى جهة التشريع «مجلس الشعب»، بل أيضا، وهذا هو الأهم، تحكمنا اجتماعيا. انتهى كلام البري لكن محاولاته الطعن في عدالة الصحابة لم تنته.