الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمصداقًا لقول الله -تعالى-: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118)، تحركت قوى للشر يجمعهم الجبن، والعجز عن مواجهة الحجة بالحجة، ويحرِّكهم الغيظ من انتشار دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، ويسوؤهم أن يجدوا مصداق قول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ . لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:36-37).
حيث فوجئوا أن الشعوب الإسلامية قد انحازت إلى المشروع الإسلامي في أول اختيار حقيقي؛ رغم ما أُنفِق من أموالٍ، وما بُذل من جهود من أجل صدهم عن شريعتهم؛ فتحرك بعض سفهاء أقباط المهجر ومن ورائهم إحدى الكنائس الأمريكية، ومن وراء الجميع اليهود في إنتاج فيلم عن قصة حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ملئوه بالأكاذيب والمشاهد العارية التي لا تشين إلا من أدَّاها و مثـَّلها، والإسلام ورسوله منها براء بشهادتهم هم أنفسهم حينما يحاربون الحجاب كرمز للعفاف، ويعتبرونه خطرًا على حضارتهم!
ورغم أن فريق العمل ينتسب إلى النصرانية إلا أن العمل انحاز في أكاذيبه إلى اليهود! وعقد مقارنة ظالمة بين الجهاد في الإسلام والحرب المقدسة عند اليهود، قَلَب فيها الحقائق وانحاز لحروب اليهود التي زعموا فيها زورًا وبهتانًا أن الله أمرهم أن يقتلوا الرجال، والنساء، والأطفال، وأن يبقروا بطون الحوامل!
وهذا الانحياز الواضح يمثِّل دليلاً إضافيًّا على أن منظمات أقباط المهجر -وهم بلا شك لا يعبرون عن كل مصري نصراني مغترب- في الأعم الأغلب وقعت فريسة للصهيونية العالمية التي تتخذ من بلاد الغرب عامة "ومن أمريكا خاصة" مرتعًا لتجنيد بائعي ضمائرهم، والذين ربما تستروا بأنهم يدافعون عن قضية أبناء دينهم؛ ولو كانوا كذلك لما أقاموا في بلاد الغرب يشعلون الفتن من بُعد، وهم في مأمن من أن يصيبهم من لهيبها.
هذه الحملة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وفي كل مرة تكون هذه الحملات سببًا لمزيد من انتشار الإسلام بفضل الله -عز وجل-، ولكن هذا لا يعفينا من أن نقوم بواجبنا الذي افترضه الله علينا: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح:9).
ثم إننا إن تخاذلنا... نصر الله نبيه بغيرنا، وبُؤْنا نحن بإثمنا -والعياذ بالله-، كما ذم الله المتباطئين عن نصرته -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) (التوبة:40).
لقد عشنا زمانًا نواجه هذه الحملات بأصوات خافتة، ولكنها كانت هي أقصى ما نملك؛ فنصرنا الله وأذهب عنا الطغاة؛ مصداقًا لقوله -تعالى-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40). واليوم لا يليق بنا أن نواجه هذه الحملات بنفس الأساليب فضلاً أن نواجهها بأقل منها!
لدينا الآن رئيس صالح يجب أن يحتج صراحة لدى الإدارة الأمريكية، ويعلق أي تعاون بيْن البلدين حتى يتخذوا إجراءاتٍ عملية تجاه إيقاف هذه المهازل، علمًا بأن نشر الأكاذيب في وسائل الإعلام مخالف للقانون الأمريكي؛ حتى لا يتذرعوا بأن القانون عندهم يكفل حرية الفن والإبداع!
لقد اهتم الرئيس بقضية سب بيْن مواطنيْن كان يسعه بل يلزمه أن يترك الأمر فيها برمته إلى القضاء، وأما سب النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمر يمس هوية الأمة، والحفاظ عليها جزء من واجبات الرئيس في الدستور.
والأمر لا يقتصر على الرئيس، بل يشمل جميع وزراء الحكومة التي ينبغي أن تثبت أن الانشغال بتدبير معيشة الناس لم يشغلها عن حراسة الهوية.
فيجب على "وزير الخارجية" أن يحتج رسميًّا لدى الخارجية الأمريكية.
ويجب على "وزير الداخلية" أن يحرك دعاوى إسقاط الجنسية عن هؤلاء الذين يتلاعبون بمصير الوطن، ويشعلون الفتنة الطائفية الحقيقية.
ويجب على "وزير الإعلام" أن يدشن حملة دفاع ورد على كل ما يثار من شبهات، وأن تُزاد المساحة لتناول سيرة وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإعلام المملوك للدولة.
ويجب على "وزير الأوقاف" أن يمد ويؤهل خطباء مساجد الأوقاف لبيان سنة وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
كما يجب على "الأزهر" بما له من ثقل دولي أن يمارس دورًا دبلوماسيًّا موازيًا لجهد الخارجية، ومما ينبغي التنويه إليه أن الكثير من القيادات الكنسية والسياسية والشعبية القبطية قد أعلنت رفضها لهذا العبث إلا أن الأمر يحتاج إلى مزيدٍ من الجهد؛ لوأد باب الفتنة بحيث يعلم مشعلها أن سلعته مرفوضة من النصارى قبل المسلمين؛ لأنهم يعيشون في أمان وسلام، لا كما يصوِّر الفيلم في أكاذيبه.
وأما أبناء الحركة الإسلامية فعليهم أن يعوا الدرس، وأن يعرفوا أن المشاركة في الحكم أو تصدر واحد منهم للرئاسة لن يوقف الحروب الشعواء، بل ربما ساهم في زيادتها؛ فليتسلحوا بالعلم والصبر والإيمان؛ ليردوا زيف المزيفين، وكذب الكاذبين، وحقد الحاقدين.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الدعوة السلفية
24 شوال 1433
11 سبتمبر 2012
www.salafvoice.com